سورة النازعات : نتوقف في هذه السورة عند الآيتين الكريمتين ( يوم ترجف الراجفة . تتبعها الرادفة . و هما لوحتان لمشهد زلزالي واحد ، ، انقسم علماء التفسير في بيانهما و توضيحهما . فأكثر العلماء اعتبروا الراجفة النفخة الأولى ، و الرادفة الثانية . ووجد آخرون في الرجفة الأرض ، و الرادفة الساعة ، كما أن منهم من [2]قال إن الراجفة هي الزلزلة ، و الرادفة الصيحة ، وقلة من أشاروا إلى أن الراجفة تمثل اضطراب الأرض ، و الرادفة الزلزلة . إن التصور الأخير في اعتقادي هو الأكثر واقعية و ليس هنالك من فارق في عام الزلازل بين اضطراب الأرض و الزلزلة ، و يجب أن أبين أن ترتيباً معيناً يتم عن حدوث الزلازل : ففي البدء و قبل حدوث الهزة الكبرى الأساسية عادة . تظهر هزات أرضية هزات أرضية خفيفة تمهيدية تعرف باسم الهزات الطلائية ( for shoch) بعد هذه الهزات تأتي الهزة الأساسية المخربة أو ذات التأثير الأكبر . و بعد فترة هدوء نسبية غير طويلة عادة تأتي الهزة المكملة و هي التي تكمل مهمة الهزة الأساسية في التدمير و التخريب ، إذ تنهي في الزلازل القوية تخريب ما لم يخرب سابقاً . و تعرف عادة باسم ما بعد الهزة و يقصد بها الأساسية ـ أو( ( After shoch و لقد قصد القرآن بتصوري بكلمة الرادفة هذه الهزة المكملة . و الهزة الرادفة أضعف من الأولى بشكل عام و لكن قد يحدث العكس . و تاريخ الزلازل حافل بهذه المفاجآت .
سورة الحج : تفتتح هذه السورة بمشهد زلزالي مرعب لا نرى له مثيلاً في الآيات و السور القرآنية الأخرى ، فيها بيان لما سيصيب الناس من هلع و فزع و خوف . فالأمواج الاهتزازية تضرب الأرض بقسوة ووحشية ، و الناس يهيمون في العراء على وجوههم ، ولقد أخذ منهم الرعب كل مأخذ،و جميعهم يطلب النجاة : الأم ألقت أغلى ما لديها و هو رضيعها ، و هربت خوفاً على نفسها ، و أجهضت ذوات الحمل . و الناس كالسكارى من هول الموقف و من الذعر و قد بهتوا و لا يدرون ما وقع و ما يجب فعله و ما سيحدث و بتصوري أنهم سيعرفون آنذاك أن القيامة قد وقعت و أن الأرض و من عليها ملك الله الشديد القاهر القادر . تعكس آية الزلزلة في سورة الحج واقعتين الأول : نفسي ، وهو ما أشار إليه كل علماء التفسير ، والمتمثل بكلمات القرآن المعبرة عن حال الناس آنذاك ، والثاني : حسي ، و هو ما يحدث في الزلازل القوية المدمرة : الأرض تمور موراً شديداً و تضطرب بقوة . الأمواج الزلزالية الاهتزازية بأنواعها المختلفة تحدث نسيجاً من الاهتزازات يصعب تصوره و تخيله ، فبعضها يدفع الناس و الأشياء إلى الأمام ، ثم يقذف بهم وبها إلى الوراء ( الأمواج الطولية ) فالناس كالسكارى في حركتهم ، و الآخر يقذف ما على الأرض نحو الأعلى ثم يهبط بها نحو الأسفل (خافضة رافعة ) و للأمواج العرضية و السطحية دور أساسي في هذه الحركة . كما تتعرض التربة و ما عليها لحركات دورانية و انحرافية . و بالطبع لا تقع هذه الحركات متتالية بل في آن واحد بسبب استمرارية الزلزلة فكيف لا يصبح الإنسان كالسكران في ذهوله و لا وعيه ؟ و كالسكران في تمايله و ترنحه . و بالواقع كل ذرة أو جسم صخري ( تربه ) يتعرض في حال استمرار الزلزال لفترة طويلة نسبياً إلى حركات دفع راسية نحو الأعلى و الأسفل و إلى عمليات دفع دورانية . و كأننا أمام ذرة غبار تتأرجح وسط عاصفة هوجاء[3]
المصدر :الزلازل و تطور و تبدل الأرض في القرآن الكريم تأليف د. شاهر جمال آغا .
[1] بيلا أو سوف ف. ن . بافليناكوفا ن .ا . نماذج القشرة الأرضية . موسكو 1985، ص 34.
[2] هذه التصورات المتباينة نراها في كل التفاسير المشهورة تقريباً ( الطبري ، القرطبي، الجلالين ، الشوكاني، التفسير القرآني للقرآن ، و ابن كثير ، والمنارز. الخ ) و يبدو أن جمها من مصدر ، أو بضع مصادر محدود . [3] أ. جوكوف وسواه . الجيولوجيا العامة . موسكو 1978 ، ص 341.