يا شهر رمضان ترفق *** دموع المحبين تدفق
قلوبهم من ألم الفراق تشقق *** عسى من استوجب النار تعتق
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
إذا أكمل الصائمون صيام رمضان وقيامه -بمن الله وكرمه- فقد وفوا ما عليهم من العمل وبقى ما لهم من الأجر وهو المغفرة. ومن وفي ما عليه من العمل كاملا وفي له الأجر كاملا ومن سلم ما عليه موفرا تسلم ماله نقدا لا مؤخرا.
ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم *** ولا أسلمها إلا يدا بيد
فإن وفيتم بما قلتم وفيت أنا *** وإن أبيتم يكون الرهن تحت يدي
ومن نقص من العمل الذي عليه، نقص من الأجر بحسب نقصه فلا يلم إلا نفسه.
قال سلمان: الصلاة مكيال فمن وفي وفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قيل في المطففين. فالصيام وسائر الأعمال على هذا المنوال، من وفاها فهو من خير عباد الله الموفين ومن طفف فيها فويل للمطففين، أما يستحي من يستوفى مكيال شهواته ويطفف في مكيال صيامه وصلاته.
غدا توفي النفوس ما كسبت *** ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم *** وإن أساؤا فبئس ما صنعوا
كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده وهؤلاء الذين يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60] كانوا لقبول العمل أشد اهتماما منهم بالعمل، وقد سمعوا قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].
عن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل منى مثقال حبة من خردل أحب إلى من الدنيا وما فيها لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].
- وقال مالك بن دينار: الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل.
- وقال عبد العزيز بن أبي داود: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم العم أيقبل منهم أم لا؟
- وخرج عمر بن عبد العزيز رحمه الله في يوم عيد الفطر فقال في خطبته: "أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوما وقمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم".
كان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له: إنه يوم فرح وسرور فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملا فلا أدري أيقبله منى أم لا؟ ورأى وهيب بن الورد قوما يضحكون في يوم عيد فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين!!
- وعن الحسن قال: إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون.
لعلك غضبان وقلبي غافل *** سلام على الدارين إن كنت راضيا